وكالة أعماق :
يأتي الصراخ على قدر الألم ، هذا المثل الشائع يقال في وصف ردة الفعل "الجنونية" في كثير من الأحيان لجهة ما بعد تعرضها لما يسوؤها ، وعادة ً ما يستخدم الصحفيون والمحللون هذه المقولة لوصف تصريحات "شديدة اللهجة " لبعض السياسيين وممثلي الدول تجاه قضية أو مسألة سياسية داخلية أو إقليمية يواجهونها .
لكن لسوء حظ الشعب السوري ، فإن أبجديات وقواعد الأزمة في بلادهم ليست على هذا النحو ، ولا تأخذ ردات الفعل عند النظام المتسلط عليهم لون التصريحات "ولا حتى الشديدة" حيال ما يواجهه من أزمات ، إنما تتخذ من الموت والدماء والأشلاء صبغة ً لها عبر البراميل المتفجرة و القذائف الصاروخية بأنواعها التي يرسلها عليهم النظام كلما تلقى صفعةً في إحدى جبهاته ، بينما تمتلئ تصريحاته على وسائل الإعلام بعبارات الحب والغزل للرقة "الحبيبة" وحلب "الصامدة" كما جاء في خطاب الأسد الأخير عند أدائه ما يسمونها ب "اليمين الدستورية" بعد " انتخابه رئيسا ً للبلاد "في يونيو حزيران الماضي .
أما "الرقة الحبيبة" فكانت أبرز المدن التي تلقى فيها النظام أشد الصفعات في الآونة الأخيرة بالإضافة إلى حمص والحسكة على يد الدولة الإسلامية، فبعدما توعد بشار في خطابه المذكور "بتخليصها من الإرهابيين" – يعني الدولة الإسلامية التي تسيطر على المحافظة بشكل كامل – قامت الدولة الإسلامية هي و بعد أيام معدودة بتخليص المحافظة من أبرز معاقله هناك وهي الفرقة 17 التي كان الجيش الحر قد حاول اقتحامها مراراً قبل ذلك .
وكانت الفرقة 17 الشماعة التي يعلق عليها خصوم الدولة الإسلامية تهمهم لها بعملاتها للنظام السوري وتنسيقها معه ، و كانت دائما ً ما تتهم الدولة الإسلامية بأنها تذهب بعيدا ً وتهاجم الجيش الحر في المناطق "المحررة" في حلب ودير الزور وتتركها -أي الفرقة 17- في قلب مناطق سيطرتها ، ولكن سرعان ما اتضح للجميع أن التكتيك العسكري هو فقط الذي دفع الدولة الإسلامية إلى تأجيل اقتحامها واقتحام مواقع أخرى للنظام تحاصرها الدولة في مناطق ومدن أخرى مختلفة ، وأنها ما أن انتهت من تأمين وحماية ظهرها من "الطعنات" التي تلقتها من فصائل وكتائب المعارضة الأخرى في بعض المناطق ، حتى شنت هجوما ً واسعا ً على عدة جبهات كبيرة ومحورية في العراق وسوريا وحققت فيهما انتصارات سريعة ومذهلة.
فوجهت الدولة الإسلامية وفي فترة وجيزة عدة ضربات مؤلمة للنظام السوري -ذكر بعض المحللين أنها غير مسبوقة في تاريخ الثورة السورية- إذ تمكنت الدولة الإسلامية من إلحاق خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف عناصر النظام تقدر بمئات القتلى إثر الاستيلاء على حقل شاعر للغاز في حمص والذي يعد أحد آخر الحقول وأهمها بيد النظام وأبادت 4 أرتال أرسلها النظام لإسترجاعه قبل أن يتمكن من ذلك الرتل الخامس بعد معارك عنيفة ، كما وتمكنت بعدها بأيام -وفي يومين فقط- من اقتحام الفرقة 17 في الرقة واغتنام ما فيها من سلاح وعتاد وآليات وقتل من فيها ، بما فيهم العميد سمير أصلان قائد الفرقة التي تعد إحدى أكبر الفرق العسكرية في جيش النظام والثقل الأكبر له في المنطقة الشرقية ، كما تمكنت في اليوم التالي من اقتحام الفوج 121 في الحسكة واغتنام ما فيه من مدافع ثقيلة ، هذا الفوج والذي يسمى فوج الميليبة يقول عنه النظام أنه درع المدينة وصمام أمانها ، وبعدها بأيام معدودة أيضا ً تمكنت الدولة من اقتحام اللواء 93 مدرع والذي يحتوي على عشرات الدبابات والمدرعات والآليات المصفحة الثقيلة والتي باتت غنيمة بيد الدولة الإسلامية كما أظهرت الصور التي نشرتها على مواقعها الرسمية .
وعلى إثر هذه الضربات الموجعة التي تلقاها متتاليةً في غضون عشرين يوما ً فقط رد النظام السوري بسلسلة غارات مكثفة استهدفت بالبراميل والصواريخ الفراغية وصواريخ السكود مناطق نفوذ الدولة الإسلامية في دير الزور والرقة و حلب ، إذ وصل معدل القصف اليومي لمدينة الباب ،على سبيل المثال ، إلى حوالي خمس غارات يوميا ً ، فيما وثقت وكالة أعماق الإخبارية بعض عمليات الاستهداف المكثف لمدن وبلدات الريف الشمالي التي سيطرت عليها الدولة الإسلامية مؤخرا ً كأخترين وأرشاف ودابق وتركمان بارح ، وتأتي هذه العمليات في محاولة من النظام السوري للانتقام ولردع الدولة الإسلامية عن شن المزيد من الهجمات ضده على غرار تلك التي سبقتها .
وفي النهاية ، كيف يتوقع أن يكون الرد على هذا الاستهداف المكثف من قبل النظام لمناطق سيطرة الدولة الإسلامية والذي أظهرت كثافته وبشاعته مقدار الغضب الذي يشعر به هذا النظام على إثر ما تلقاه من هزائم في الفترة القليلة الماضية ، هل ستمر هذه الجرائم بحق المدنيين العزل مرور الكرام أم أن النظام سيدفع ثمن جرائمه ثم ينطبق عليه في النهاية المثل اليوناني الذي يقول " عواقب الغضب أخطر بكثير من أسبابه " ؟
هذه التساؤلات وغيرها ستحمل الأيام المقبلة الإجابة عليها إن شاء الله .